السبت، 25 يناير 2014

كيف تصبح جاسوساً

كيف تصبح جاسوساً ..

بحثت كثيرا عن زر اضبط به ميزان الكلمات التي سأكتبها اليوم عن الوضع بمصر .. حاولت كثيرا الا اكون مباشراً في نقدي فكاتب مغمور مثلي لا يملك من الشهرة ما يكفي لكي يظل محافظاً علي وجوده خارج قفص اتهام قد وضع فيه لانه عميل و خائن يظهر الجانب السئ من وطنه الذي رعاه و احتضنه .. ولا يملك ايضاً من القارئين من يزوره في سجنه المشدد و معه محامي من النوع الذي يجلب الاعدام دائما لموكله كعادة القراء ..

من الممكن اني اعطي لنفسي اهمية زائدة و لكن ما لا يمكن اغفاله هنا اني حقاً اشكل طريدة  يسهل اقتناصها , فيكفي هنا ان يرسل رابط هذا المقال الي احد الصفحات التي تزعم ان هناك اخواني تحت فراشك لأجد انا من يجرني من فراشي في الصباح .. خاصة ان هذا المقال لمؤسسة صحفية امريكية و الشائع هنا ان اوباما اخواني مستتر .. حسنا لا تضحك عالياً ان لم تكن تريد ان تكون رفيق زنزانتي ! ..

هنا يتهموك بالتخابر قبل الافطار و بعده .. و لهذا حاولت ان احمل العصي من المنتصف حتي لا اكون سلبياً جداً او جاسوساً جداً .. و قد جعلني هذا افكر في ما الذي يمكن ان يصنع متخابراً حقيقياً يخون وطنه في دولة كمصر؟! ..

اول ما جال بخاطري هنا هو الانتماء .. ذلك الشعور بالاحتضان الذي تشعر به تجاه وطنك و يكون دائما درعك الواقي الذي يحميك من كلمات "كوهين" المعسولة و اموال "جون" المتأنق ذو البذلة السوداء ..
الانتماء الذي سيملأك عندما يكفوا عن سرقتك قانونا ..
عندما لا تقف في طابور حكومي نصف يومك متمنيأ من الله ان يكون مزاج الموظف جيد اليوم ..
طابور من حملة المؤهلات أمام محافظة الدقهلية لوظائف عبارة عن عاملين نظافة و مؤذنين مساجد مع ذكر ان معظم المتقدمين من اصحاب المؤهلات العليا / المصدر: المصري اليوم

في الواقع اذا تعاملنا بمنطقهم المجنون سنعد ملايين المصريين المؤهلين لخيانة وطنهم .. بل و ممارسة الارهاب بأعنف اشكاله ,  فكيف للانتماء ان يستقر في نفوس هؤلاء الذين صارت حقوقهم احلاماً ! .. و الان ما الذي ستجلبه علينا العماله للخارج من حال اسوأ مما نحن فيه ؟! .. و إن كان هناك من يتربص بنا حقاً الن يكفيه ما نفعله بأنفسنا ؟! .. اي حمار يمكنه ان يستنتج ان عصر التخابر لم يعد له وجود سوي في افلام جيمس بوند و ان من كان يريد ان يتجسس عليك ليس مضطراً لأن يجند افضل اصدقائك كما تري في الافلام السخيفة فهاتفك يعمل علي هذا ! .. و من انت اصلاً كي يتجسسوا عليك و ما المهم الذي تفعله ؟! .. لماذا كانت الثورة اذاَ ؟! .. ما الشئ الناجح الذي نبقيه سراً ولا نريد للخارج ان يعلموا بأمره ؟! .. ما الذي تبقي من تحضرك لتخشي عليه من متطرفين اسلاميين و انت تقتل من تشتبه انه منهم في الشوارع دون محاكمة ! .. من انت و من سيفتقدك في رحيلك ؟! ..


انا لا افهم حقا كيف حدث كل هذا في هذه الفترة القصيرة .. بعد الثورة ظننت بأن هذا الشعب قد فهم وسائل النظم الشيطانية في التأثير علي وعيه و ادراكه للواقع و ان لا شئ سيعميه عن الحقيقة مجددا .. كنت مخطئا .. و كنت علي خطأ ايضا عندما اردت ان احمل العصي من المنتصف .. عصي يحترق طرفاها لا يجب ان احملها ابداٌ ..

رؤسائنا جميعهم قد زرعوا نفس النبتة السامة و ان كنت تختلف معي فلا تحدثني ارجوك عن الاحداث السياسية بتعقيداتها .. حدثني عن الفقر و الجهل و الغلاء و البطالة و نسب التحرش و معدل الجرائم و حوادث القطارات فهذه اشياء ملموسة و يمكن اثباتها , ان كنت اخواني فجرب ان تتحدث الي اب مصري تعود ان يمتدح السيسي في وقت فراغه , افعل هذا اثناء تواجده في السوق , ستجده يشكو الغلاء و الفقر مثلك تماماً ! .. ان كنت تظن ان طلبة الجامعات ارهابيين فإذهب الي عزاء احدهم بعد مقتله و لن تجد رجل كثيف الذقن شاهراً سلاحه الناري و هو يسب و يتوعد من قتله ! ..

في النهاية دعني اخبرك اني لست متفائلاً .. لا شئ يبشر بالخير في ما يحدث حولنا و التعاطي مع الوهم الحالم لا يناسبني , و لكني هنا لاعلمك انني من اولئك الاوغاد الذين لا يكفون عن التفوه بالحقيقة لان البعض يرون انها لا تناسب الوضع الحالي .. و ان كنت حقاٌ تبحث عن الدليل الحقيقي لتصبح جاسوساً فيكفي ان تكون مصري و تعلن انك احببت هذا المقال فالكثير سيعتبرك كذلك حينها !..